الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسول الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد شرع الله لنا شعيرة الصيام وبين أحكامها، وجعلها واضحة جلية بينة، فلم يعد هناك تساؤل في شيء، فكل أموره واضحة، وكل حكم له دليله، بينه الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته، فلا خفاء ولا التباس في أحكام الدين عموماً وفي أركانه الخمسة خصوصاً.
ولعل سائلاً يسأل متى يمسك الصائم؟ فترد التساؤلات عند بعضٍ من الناس: هل يمسك من بعد السحور؟ أم من الأذان الأول؟ أمن قبل الأذان الثاني بدقائق محدودة؟.
من نعمة الله ورحمته بالأمة أن خفف عنها فجعل الليل في رمضان مجالاً للأكل والمتع المختلفة والقيام بأمر الله، وجعل النهار صياماً، وقد كان في بداية الدعوة الإسلامية إذا نام الرجل في الليل قبل أن يأكل حرم عليه الأكل حتى الليلة القادمة، فكان في ذلك مشقة كبيرة، ثم إن الله من رحمته بالأمة جعل بداية حل تناول المفطرات من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.
فقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائمًا فنام قبل أن يفطر، لم يأكل إلى مثلها، وإن قَيْس بن صِرْمة الأنصاري كان صائمًا، وكان يومه ذاك يعمل في أرضه، فلما حَضَر الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك. فغلبته عينُه فنام، وجاءت امرأته، فلما رأته نائماً قالت: خيبةً لك! أنمتَ؟ فلما انتصف النهار غُشي عليه، فذُكِر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ(187)سورة البقرة. إلى قوله: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ففرحوا بها فرحًا شديدً1.
فرحوا لأن الآية حددت إمساكية رمضان بأنها تكون حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وقد سأل عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ أَهُمَا الْخَيْطَانِ؟ قَالَ: (إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا إِنْ أَبْصَرْتَ الْخَيْطَيْنِ) ثُمَّ قَالَ: (لَا، بَلْ هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ)2.
وقد اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على وجوب الإمساك عن تناول المفطرات للصائم عند سماع الأذان الثاني لصلاة الفجر؛ لحديث عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ)، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحتَ أَصْبَحْتَ)3.
وعلى كلٍ فوقت الإمساك هو طلوع الفجر، وعلامته أذان الفجر الثاني وهذا ما اتفق عليه الفقهاء، وأما ما كان غير ذلك من احتياطات ووسوسة وغير ذلك فهذا لا أساس له في هذا الباب، ويجب التقيد بالشرع، فكل ما جاء به الشارع الحكيم أمور يقينية لا مجال للنفس والهوى والشكوك في ذلك، وحيث قد تبين الأمر فلا مجال لأدنى شك لدى مؤمن بالله ورسوله وكتابه.
اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا، نسألك اللهم فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، يا رب العالمين.
1 تفسير ابن كثير: (1/510).
2 صحيح البخاري: (4150).
3 صحيح البخاري: (582).
المصدر: موقع إمام المسجد